فهم أساسيات الرأسمالية المالية في القرن الحادي والعشرين
جيم كين وسمير سونتي جيم كين وسمير سونتي

فهم أساسيات الرأسمالية المالية في القرن الحادي والعشرين

كان أسبوعاً مضطرباً في سوق الأسهم، حيث دفعت مساعي دونالد ترامب لإعادة تشكيل النظام الرأسمالي العالمي بالمستثمرين إلى حالة من الهستيريا. إلى أين تتجه الأمور؟ لا أحد يعلم. ولكن مع اقترابنا من حرب تجارية محتملة، من المفيد أن نتراجع قليلاً للتأمل في شكل نظامنا المالي العالمي.

ترجمة: قاسيون

لنبدأ: ما هي أهم التطورات التي شهدتها «وول ستريت» في السنوات الأخيرة؟ الجواب المختصر: مدراء الأصول الضخام — وعلى رأسهم الثلاثة الكبار «بلاك روك BlackRock»، و«فانغارد Vanguard»، و«ستيت ستريت State Street» — أصبحوا اللاعبين المهيمنين في النظام المالي وفي الاقتصاد بشكل أوسع.

ماذا يفعل الثلاثة الكبار؟ إنهم يقدمون خدمة مالية أساسية للمستثمرين: مقابل رسوم، يقوم مدراء الأصول باستثمار أموال عملائهم في الأسواق المالية، ومعظمها في سوق الأسهم، أو ما يُعرف بـ«الأسهم العامة». يبدو ذلك أمراً بريئاً بما فيه الكفاية — إلى أن يفهم المرء حجم الأموال الذي نتحدث عنه.

خذ «بلاك روك» كمثال. بحلول نهاية عام 2024، كانت هذه الشركة وحدها تدير أصولاً تبلغ قيمتها 11.5 تريليون دولار. وبإضافة «فانغارد» و«ستيت ستريت»، فإن الثلاثة الكبار معاً يديرون أكثر من 26 تريليون دولار.

ما معنى هذا المبلغ عملياً؟ يُعدّ الثلاثة الكبار إما أكبر أو ثاني أكبر مالك لأسهم تقريباً كل شركة مدرجة على مؤشر «S&P 500» — أي لأكبر الشركات في العالم. في المتوسط، يسيطرون مجتمعين على أكثر من 20 بالمئة من كل شركة من تلك الشركات: 25 بالمئة من «شيفرون Chevron»، و21 بالمئة من «كوستكو Costco»، و20 بالمئة من «جنرال موتورز General Motors»، وهكذا دواليك. لم نشهد مثل هذا الاندماج بين الملكية والسيطرة على الشركات على هذا النطاق منذ هيمنة البنوك الكبرى على الاقتصادين الأمريكي والألماني في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين — مما يستحق بجدارة تسمية «رأس المال المالي».

في هذه الأثناء، شهد قطاع «إدارة الأصول البديلة» نمواً سريعاً أيضاً خلال العقود الماضية. تُعد إدارة الأصول البديلة فئة واسعة تشمل الأسهم الخاصة، والاستثمار العقاري، وصناديق التحوط، وأكثر. وتُعد «بلاكستون Blackstone» أكبر مدير للأصول البديلة، حيث تُشرف حالياً على أكثر من تريليون دولار.

ورغم أنها لا تعمل بالحجم نفسه للثلاثة الكبار، إلا أن مدراء الأصول البديلة يجنون رسوماً أعلى بكثير مقابل كل دولار من الأصول التي يديرونها، ويلعبون دوراً مهماً في الرأسمالية الحديثة. فمنذ ازدهار عمليات الاستحواذ بالرافعة المالية في ثمانينيات القرن الماضي، أصبح تهديد الاستحواذ من قبل شركات الأسهم الخاصة وسيلة لفرض «الانضباط» على الشركات، وهو ما يعزز بدوره قوة المساهمين، بمن فيهم الثلاثة الكبار. ومؤخراً، توسعت شركات إدارة الأصول البديلة إلى مجالات البنية التحتية «مثل المطارات، والمرافق، وخطوط الأنابيب»، وهي خطوة تهدد بزيادة خصخصة السلع العامة. كما طورت هذه الشركات أذرعاً تُعرف «بالائتمان الخاص private credit»، مما يسمح لها بالعمل مثل البنوك ولكن دون الخضوع للرقابة التنظيمية ذاتها.

ولتعقيد الصورة أكثر، قامت «بلاك روك» بسلسلة من عمليات الاستحواذ «مثل Global Infrastructure Partners وHPS Investment Partners وPreqin»، بل إنها حاولت حتى شراء الشركة التي تُشغل «قناة بنما». وإذا ما عكست هذه التحركات نية من الثلاثة الكبار للتوسع خارج الأسواق العامة المُدرجة وتوسيع وجودهم في إدارة الأصول البديلة، فقد تتوسع قوتهم أكثر فأكثر.

ماذا يخبرنا هذا عن الرأسمالية اليوم؟

هناك الكثير من الجدل حول معنى كل ذلك، لكن معظم المراقبين يتفقون على ثلاث سمات أساسية لـ«رأس المال المالي الجديد» تؤثر على حوكمة الشركات:

أولاً، بالنسبة لبعض مدراء الأصول، فإن «الخروج» من أي شركة معينة استثمروا فيها لم يعد خياراً مطروحاً. في السابق، كان المستثمرون غير الراضين عن أداء شركة ما ببساطة يبيعون أو يهددون ببيع أسهمهم. أما الثلاثة الكبار فلا يملكون هذه الرفاهية. فبسبب ضخامة مواقعهم، فإن التخلص من الأسهم قد يؤدي إلى تأثيرات سلبية على السوق بكلّيته، وهو ما سينعكس سلباً على محافظهم العامة. ومن بين المنتجات الأساسية التي يقدمونها للمستثمرين هي «الصناديق الشاملة للسوق»، والتي تشمل تقريباً كل شركة.

ثانياً، تتبع الشركات الثلاث «استراتيجية استثمار سلبية» عبر صناديقها — مثل صناديق المؤشرات وصناديق التداول «ETFs» — التي تتيح للمستثمرين الوصول إلى السوق بأكمله دفعة واحدة. ولا تحاول هذه الشركات «التفوق على السوق» أو الرهان على الفائزين والخاسرين. بل تلتزم بحيازة أوسع نطاق ممكن من الأصول على المدى الطويل.

ثالثاً، تنتج النقطتان السابقتان عن وضع الثلاثة الكبار بصفتهم «مالكين شاملين universal owners»، أي إنهم يملكون حرفياً جزءاً من كل شيء تقريباً. وبسبب انكشافهم على السوق العام بأكمله، واعتمادهم على نموذج قائم على الرسوم، فإن لدى مدراء الأصول مصلحة في رؤية أسعار الأسهم ترتفع باستمرار. فبالنسبة لهم، لم يعد الغرض من سوق الأسهم هو جمع رأس المال للشركات كي تتوسع، بل ببساطة زيادة ثروات المستثمرين.

ماذا يعني هذا بالنسبة للعمال والحركات التقدمية الأوسع؟

ردّت الحركة العمالية في الولايات المتحدة في البداية على صعود التمويل بمحاولة ركوب موجة «أولوية المساهمين»، باستخدام صناديق التقاعد المتنامية التابعة لها للتحدث كمساهمين، وتقديم مقترحات للمساهمين، واستخدام آليات حوكمة الشركات الأخرى على أمل دفع الشركات إلى التصرف بمسؤولية. ومع مرور الوقت، سعت النقابات والحركات الاجتماعية الأخرى أيضاً إلى التواصل مع تجمعات أكبر من رأس المال، مثل صناديق التقاعد العامة، وصناعة إدارة الأصول، بهدف مماثل.

منطق هذا النهج هو أن صناديق التقاعد، على وجه الخصوص، تمثل «رأس مال العمال». وبالتالي، يجب ألّا تقوم هذه الصناديق باستثمارات تضر بالعمال الذين أنشئت هذه الصناديق لخدمتهم. فمثلاً، من غير المنطقي أن تستثمر صناديق التقاعد العامة — التي تعود فوائدها إلى موظفي القطاع العام — في شركات تسعى إلى خصخصة السلع العامة.

وقد كان «حراك رأس مال العمال» جزءاً من جهد أوسع لترسيخ مبادئ «البيئة، والمجتمع، والحوكمة ESG» في حسابات الأمانة التي تقوم بها المؤسسات الاستثمارية. ورغم أن ESG أصبحت موضع انتقاد سياسي من قبل اليمين، فإن الفكرة الأساسية ليست راديكالية على الإطلاق. فكل شيء، من ارتفاع منسوب البحار إلى تعويضات التنفيذيين إلى خطر الإضرابات، يُشكل مخاطر ينبغي للمستثمرين وضعها في الحسبان. وعلى مر السنين، نجح المنظمون في دفع بعض المستثمرين المؤسساتيين إلى تنفيذ أطر ESG من خلال تقليص استثماراتهم في صناعات مثل الوقود الأحفوري والتبغ، والعمل مع مدراء الأصول لحل النزاعات العمالية في الشركات التي يمتلكون أسهماً فيها.

ومن دون التقليل من قيمة هذه الجهود، من المهم التشديد على أن استراتيجيات ESG ورأس مال العمال تأخذ القيود البنيوية لـ«رأس المال المالي الجديد» كأمر واقع. والمشكلة أن هذا الكيان المالي الضخم متشابك بعمق، ولا يمكن فصله عن العمليات التي تُغذي الاستغلال، والتدهور البيئي، وتراجع القطاع العام.

وليس المقصود من هذا القول أن النظام المالي الحالي هو نظام «طفيلي» استثنائي خاص يربح على حساب «الاقتصاد الحقيقي». صحيح أن النمو المذهل لقوة «وول ستريت» خلال الجيل الماضي جاء، إلى حد ما، على حساب سلطة الشركات الفردية. لكن قدرة التمويل على فرض الانضباط على الشركات قد عززت أيضاً قبضة الإدارة على العمال. لقد باتت «وول ستريت» و«مين ستريت» متشابكتين تماماً.

تعاملت الحركة العمالية والحركات الاجتماعية الأخرى مع رأس المال المالي الجديد مثل الضفدع الذي يُسلق في وعاء ماء يغلي: يحقق انتصارات صغيرة هنا وهناك، بينما تزداد درجة الحرارة أكثر فأكثر. وبناء قوة حقيقية للطبقة العاملة قادرة على تحسين مستويات المعيشة بشكل ملموس وحماية الكوكب، يتطلب مواجهة جدية لبنية الملكية والسيطرة في اقتصاد الرأسمالية في القرن الحادي والعشرين. لا يوجد مخرج سهل من هذا المأزق سوى بكسر الدورة التي أوصلتنا إلى هنا في المقام الأول.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1222